عن تجربتي في تعليم اللغة الإنجليزية
مُذْ وطئت بقدمي أرض المدرسة، وجلست على مقعد الدراسة، وأنا أنظر إلى مادة اللغة الإنجليزية نظرة العداء والخصومة، والرغبة في الخلاص منها بأي طريقة كانت وبأي ثمن مهما كان باهظاً ومكلفاً. لا يعني ذلك مطلقاً أنني كنت أقدم عروضاً مخيبة في الاختبارات الشهرية والنصفية والنهائية؛ فالحقيقة الموضوعية أن ما كنت أحصل عليه من معدل يتراوح بين الجيد المرتفع والجيد جدا حسب تصنيفات وزارة التربية والتعليم التي كانت تهتم بوضع تصنيفات وصفية واضحة لمعدلات الطلبة؛ فتخلق بذلك جواً من الحماسة، ومناخاً من التنافس بين الطلبة في غرفة الفصل كان يؤدي في بعض الأحيان إلى شجار بين الطلبة المتنازعين على الصدارة واعتلاء منصة التتويج.
رافقني هذا الشعور الرافض لمادة اللغة الإنجليزية طيلة أحد عشر عاماً حتى حطَ بي القطار في (الثانوية العامة – المعروفة بالتوجيهي)، فلا بد في هذه المرحلة الحاسمة من شد المئزر، وسهر الليالي، وعقد العزم على التفوق؛ سيما تحديد طبيعة العلاقة المستقبلية المتوترة بيني وبين اللغة الإنجليزية؛ فالأداء السيئ في اختبار اللغة الإنجليزية لا يعني الفشل والرسوب في المادة المذكورة فحسب، وإنما ضرب النتيجة التراكمية بأسرها وتحويله إلى معدل ضعيف لا يحظى بمفاتيح القبول في الجامعات التي تحدد معدلات متقدمة للطلبة الراغبين في الالتحاق بالكليات والأقسام المرموقة.
إزاء هذا المنعطف، قررت أن أفهم طبيعة الجفوة التي رافقتني طيلة محطات حياتي الدراسية؛ فوجدت أن الحاجز السميك الذي يحول بيني وبين عشق هذا اللون من المعرفة نفسيٌ بامتياز منقولٌ بالأساس من البيئة الاجتماعية المحيطة التي وضعت دخاناً أسوداً بينها وبين تعلم الإنجليزي، وعملت على تحميل اللغة الإنجليزية مواقفاً انطباعيةً تتسم بالصعوبة والجفاف؛ فتوارثها الأجيال دونما تنقيب فعلي في حقيقة هذا التصور الذي يحيطه الخطأ وقصر النظر وغياب التجربة.
بعد أن حصلت على معدلٍ متميزٍ في الثانوية العامة، قررت أن أتخذ قراراً مصيرياً أثار دهشة وذهول الجميع بحجز معقد في كلية الآداب (قسم اللغة الإنجليزية)، لتنطلق شرارة التحول الكبير في مساري المهني، وأصوغ بخط يدي بنود عقد زواج كاثوليكي باللغة الإنجليزية لازمني طيلة حياتي. لن أكون مكابراً أو مغروراً هذه المرة؛ فالحقيقة أنني واجهت الكثير من المصاعب في بداية هذا المشوار الشاق الذي سيمتد لأربعِ سنواتٍ؛ فعلينا الآن أن ندرس الروايات والأشعار والمسرحيات والقصص القصيرة بلغة وليم شكسبير، وجون دن وتشارلز ديكنز، و ت. س. إليوت، وببنية لغوية معقدة، وأساليب جزلة، وعبارات تتداخل فيها الحروف اللاتينية والانجليزية القديمة بالإنجليزية المعاصرة التي يحمل لواءها أدب القرن العشرين وأدب ما بعد الاستعمار. المهم أنني تجاوزت المنحنيات الصعبة، وعزمت على المسير، وتخرجت بمعدلٍ تراكميٍ متفوقاً على جميع زملائي، ولا تنسَ عزيزي القارئ أنا بشحمي ولحمي الحاقد والكاره لتعلم اللغة الإنجليزية لأكثر من أحد عشر عاماً، فكل شيء تغير ودوام الحال من المحال.
لن أصدمك إذا قلت لك بعد تجربتي الطويلة في تعلم وتعليم اللغة الإنجليزية أنها أيسر بكثير من تعلم اللغة العربية (اللغة الأم). ولكن عليك أولاً أن تتنازل وللأبد عن جميع المعتقدات السلبية المكتسبة من البيئة الاجتماعية والثقافية المحيطة؛ فببساطة تجربة الآخرين السيئة ليست تجربتك على الإطلاق، وإخفاق الآخرين لا يعني إخفاقك، فلكل متعلم طريقته في الفهم وأسلوبه في المذاكرة. يطرح بعض الطلبة أسئلة من قبيل: لماذا نتعلم اللغة الإنجليزية وهي ليست على قائمة رغباتنا المستقبلية وتفضيلاتنا للدراسة في الجامعة؟ أعتقد أن هذا التساؤل المبكر هو أساس الموروث الثقافي البائس الذي خَرّجَ طوابيراً من الطلبة ضعاف التحصيل، والمتسربين من المدارس النظامية في مرحلة مبكرة. ويسأل طالبٌ آخر المعلم بنوع من الفهلوة:
لماذا نتعلم لغة الكفار؟ أوليس من الأفضل أن يتعلم الطالب أن من علم لغة قومٍ أمن شرهم؟! هل كان للأمة أن تزدهر لولا انفتاح المسلمين على الأمم والحضارات الأخرى، وازدهار حركة الترجمة من الصينية والهندية واليونانية والرومانية إلى العربية؟ للأسف هذه الأسئلة وهذه المواقف نسمعها كل يوم، وفي بداية كل عام دراسي على ألسنة الطلبة!
عند عرض مادة اللغة الإنجليزية في غرفة الفصل، على المعلم أن يكون مستحضراً الأمور التالية:
* تبدأ عملية التعلم الحقيقية للغة الإنجليزية بخلق هدف كبير أمام ناظري الطالب يدفعه إلى الجد والاجتهاد فمثلاً: يقول المعلم نحن نتعلم اللغة الإنجليزية لا لنتجاوز الاختبارات الفصلية والختامية فحسب، وإنما لأنها لغة العصر والحضارة، وتفتح المجال أمام الطالب للوصول إلى مواقع قيادية مرموقة في المستقبل، أو لأنها تتيح لنا التواصل مع العالم الخارجي والحصول على وظيفة بسرعة. ولا بد من عرض بعض النماذج العملية القريبة من الطالب والتي فتحت لها اللغة الإنجليزية مساراً واسعاً للتقدم والازدهار.
* الحصة الأولى أو اللقاء الأول بالطلبة هو أمر حاسم في تحديد اتجاهية التعلم وطبيعة العلاقة بين المعلم والطالب؛ فالتجربة العملية أثبتت أن الانطباع الأول يساهم بشكل كبير في تعزيز دافعية الطلبة أو على العكس تماماً زيادة مستوى الإحباط والرفض لديهم، ومواصلة مواقفهم السلبية من اللغة الإنجليزية.
* لا يمكن تعليم اللغة الإنجليزية بطريقة كلاسيكية تعتمد على التلقين، فلا بد للمعلم من تقديم المحتوى التعليمي بطريقة جذابة وتطويع جميع موارد البيئة المادية واللوجستية الموجودة في المدرسة لتحقيق أهداف التعلم، فاستخدام الأغاني والتمارين الذهنية وألعاب الذاكرة والأنشطة الحركية والأنشطة التنافسية وعروض الفيديو تعمل على خلق بيئة تفاعلية محفزة للإبداع.
* تقديم المحتوى التعليمي من مفردات وقواعد نحوية لا بد أن يكون من خلال إتباع منهجية (التعليم بخلق المواقف التعليمية) التي تسهل على الطالب التخمين والربط والتحليل والتوصل إلى النتيجة. وقد أثبتت التجربة الصفية أن خلق المواقف التعليمية يعمل على غرس المعلومة في ذهن الطالب ولمدة زمنية طويلة، ويساهم في سرعة استحضارها خلال الاختبارات أو المشاركة الصفية.
* احرص على التحدث أمام الطلبة باللغة الإنجليزية وتجنب الحديث باللغة العربية بشكل كامل. واعمل على تشجيع الطلبة على طرح الأسئلة، وتقديم الإجابات، وعرض وجهات نظرهم باللغة الإنجليزية فقط؛ فتجربتنا العملية تؤكد أن هذا التوجه صعب في بدايته لكنه يسهل بالتدريج، ويعمل على إثراء الحصيلة اللغوية للطلبة وينمي مهارة المحادثة لديهم.
* احرص على خلق جو من المنافسة والدافعية للتعلم داخل غرفة الفصل، وقدم العروض المغرية للطلبة من حوافز معنوية ومادية ولو كانت بسيطة.
* حاول اختبار قدرة الطلبة على الفهم من خلال تكليفهم بخلق سياقات للمفردات اللغوية والقواعد النحوية؛ للتأكد من قدرة الطلبة على توظيف المحتوى التعليمي بطريقة سليمة.
* لا تنسى أن تمنح الطلبة تكليفات بيتية، وتأكد من قدرة الطلبة في الإجابة عليها، ومن ثَمّ قم بمراجعة التكليف وتقديم التغذية الراجعة للطالب.
* دورك عزيزي المعلم هو الميسر لعملية التعلم، وإدارة النقاش وتنظيم وصول وتسلسل الأفكار للطالب. فمن المفيد أن يقوم المعلم بتكليف الطالب بكتابة تقرير يومي عن الحصة الماضية يلخص مجريات الحصة، والمحتوى الذي جرى عرضه، والصعوبات التي واجهها فهذا يعمل على تنمية مهارة الكتابة لدى الطلبة وتعزيز حضور المفردات في ذاكرتهم ويرفع من قدرتهم على بناء الجمل الصحيحة.
من واقع تجربتي العملية في تعليم اللغة الإنجليزية، حاول اتباع أسلوب (التعليم بالفوضى) بطرح قضية للنقاش قريبة من المحتوى الذي تعلمه الطالب، أبذل قصار جهدك في استثارة الطلبة وتحفيزهم بكل السبل لخلق نقاش صاخب داخل غرفة الفصل، وتجنب مقاطعة الطلبة أو إسكاتهم في حال حدث بعض الضجيج أو تداخل أو تقطبات في الآراء. راقب النقاش جيداً وتدخل فقط في الظروف الحاسمة كحدوث شجار بين الطلبة حول مسألة معينة. تأكد ان الطلبة سيكتسبون القدرة على الحديث بطلاقة، وتدفق الكلمات بسرعة، وتكوين نمط شخصي في عرض الأفكار، علاوة على جو المنافسة والحماسة الذي يعززه هذا اللون من التعلم.
معاذ محمد الحاج أحمد